ذات مرة في ذاك القبو - 34
وقف أربعة أشخاص أمام مايبدو قبراً حديث الصنع بين مجموع قبور هائلة تواجدت في المقبرة .
“لقد تأخرنا جميعاً للغاية”قال أكبرهم سناً.
“لم يكن هناك وقت كافي فالخاطفون خططوا لفعل ذلك بسرعة فائقة لم أتمكن من رؤية عائلتي بشكل لائق حتى لأنني أردت مساعدتها لكنهم كانوا أسرع مني …” قال الآخر وهو رجل في الأربعينات من عمره .
“لاذنب لنا فيما حدث لها ربما هي ثقل آخر علينا حمله معنا ليوم الدين …” قال فتى في السابعة عشرة من عمره .
“لقد واستنا جميعاً وكانت منبع أمان لي في تلك الغرفة الموحشة ولم أستطع مساعدتها سوى بقراءة الفاتحة على قبرها ..” قالت سوزان .
لقد وقف المخطفون الاربعة عند قبرأم عبير التي وجدت جثتها بعد أن تحررت سوزان بأربع أيام في قطعة أرض مهجورة وورد اسمها الكامل في نشرة الأخبار وصورتها وعلى الرغم من أنهم لم يعرفوا شكلها جيداً إلا أنهم علموا أنها هي فوراً لذا التقوا عند قبرها لقراءة الفاتحة على روحها بعد أن بقيت جثتها بالطبابة الشرعية لعدة أيام لإن أحداً من أهلها لم يستلمها …ثم وبعد تكلم عادل مع والده تمكنوا من دفنها في مكان عائلتها …
“لديها أربعة أبناء كما أخبرني الموظف عندما كنت أخرج شهادة الوفاة “قال ماجد.
“حقاً وأين هم لما لم يأتوا لأخذ جثمان والدتهم لدفنها ؟”قال أبو سالم.
“يبدو أن اثنان منهما مسافران خارج البلد وكذلك أخويها الأكبر منها ولامعلومات عنهم وابنها الذي هنا هو مفقود منذ أكثر من ثلاث سنوات وابنتها عبير قد قضت نحبها برصاصة طائشة في حين كانت نائمة بحضن والدتها فهي لم تتجاوز التاسعة بعد عند وفاتها منذ أكثر من ثمان سنوات…” قال ماجد الذي استعلم عن كافة المعلومات سابقاً بحثاً عن عائلتها كي يتمكنوا من دفنها دون اللجوء لوالد عادل والذي اضطرهم لفعل ذلك في النهاية.
“يارب ماهذا ألهذا قالت أن لا أولاد لديها …!” قالت سوزان والدموع تملأ خديها .
“ربما لإنني لم أحضر جنازة والدتي يوماً فقد كتب الله لي حضور جنازة المرأة هذه التي لم يبق لها عائلة تحضر جنازتها والأمر ذاته ينطبق عليك ماجد” قال أبو سالم .
“إذاً هل هذه النهاية ؟” قال عادل .
“هي نهاية حياتها الفانية هنا ولن نلتقي ليوم الحساب مع أنني قد التقكيم هنا عند زيارة المقبرة لقراءة الفاتحة على روحها ” قال ماجد.
“هوكذلك إذاً اللقاء إن تسنى لي رؤيتكم أو سنلتقي في يوم الحساب ..” قال أبو سالم وهو يغادر .
“هيا يا سوزان أمك تنتظرك في السيارة “قال ماجد الذي كان من أحضر سوزان ووالدتها للمقبرة البعيدة عن منزلهما .
“أجل إلى اللقاء عادل ولاتنسى نصيحتها الأخيرة لك تستطيع بدأ حياتك من جديد ..”غادرت سوزان وماجد وبقي عادل قليلاً عند القبر قبل أن يأتي مرافقه لاصطحابه فبعد حادثة خطفه لم يسمح له والده بالتجوال في أي مكان للكثير من الوقت خوفاً من حدوث ذلك مجدداً.
***
انقضت الأعوام ومع استمرار أبو سالم في بحثه عن إخوته وأخواته المفقودين تمكن من العثور على خبر عن فاطمة حيث وافتها المنية مع أبنائها وأخيه وليد وعائلته وهم مهاجرين بالبحر بطريقة غير شرعية لأحد دول أوروبا حيث غرق القارب بمن فيه ولقوا حتفهم غرقاً …فيما لم يتمكن من العثور على خيوط تقوده لأخوته الآخرين ومات وهو يكرر على فراش موته أنه كان عليه اختيار والدته عوضاً عن جامعته وزوجته …
أما ماجد فقد علم أن هيفاء وسمر قد سافرتا إلى أوروبا لحاقاً بأبنائهم الذين خرجوا هرباً من الحرب والصراع في البلد وبذلك لم يستطع العثور سوى على صفحة زوج هيفاء على مواقع التواصل الاجتماعي وقد حاول كثيراً استسماح أخته على الهاتف لكن الأختان رفضتا رؤيته عبر مكالمة الفيديو قائلتان أن غضب والدتهما عليه لن يدعهما يسامحانه طوال حياتهما …وهكذا أمضى حياته بعدها بالزهد والندم واراد أن يقسم رزقه على أولاده وبناته كما أمر الشرع عندما طعن بالسن وكبر وأن يترك المنزل باسمه واسم زوجته لئلا أن يفعلوا بهما أولاده كما فعل هو بوالدته وأخواته ولكن ذلك حدث! فقد اتفق أحد ابنائه مع أخيه مراد وقاما باخراجه وزوجته من المنزل بالقوة و استولوا على رزق ماجد كاملاً وبقي هو وزوجته يفترشون أرصفة الطريق ويبيعون ما قسم الله لهم من بيع وعاش على الطريق حتى مات .
لكن عادل كان حكاية أخرى فقد مشى في طريق التضرع والعبادة مما دفع والده أن يتبرأ منه ويلقيه خارج المنزل فالحزب الذي يعمل معه والده كان معادياً للدين مناصراً للعلمانية وأن يكون ابنه ذو فقه ودين كان أمراً مرفوضاً تماماً … لجأ بداية للجوامع ثم عمل كعامل بناء فهو لم يكن قد أنهى دراسته الجامعية بعد …ثم انصرف لحلقات تحفيظ القرآن وختم القرآن حفظاً وتلاوة ويسر الله له أمره فعرضت عليه فرصة عمل كإمام ومحفظ قرآن في إحدى الدول الإسلامية في الشرق الأدنى فوافق وسافر هناك ولم يعد بعدها.
***
وقفت سوزان أمام قبر أم عبير وهي ممسكة بيد ابنتها الصغيرة التي تبلغ من الأعوام ستة.
“انظري يا ابنتي هذا قبر الخالة التي ساعدت أمك عندما كانت مخطوفة “
“أعلم هذا أمي أنت تحضريني هنا كل عام في نفس الزمان لنقرأ الفاتحة لروحها ولكن العام الماضي كان هناك شيخ أما هذه المرة فلا أراه ؟”
“أوه إنه عمك عادل هو أيضاً كان معنا وقد مر علي وودعني قبل سفره حيث ذهب للعمل خارجاً “
“أأنتم الثلاثة فقط من كنتم مخطوفون أتذكر أنك قلت أنكم كنتم خمسة ؟”
“العم ماجد …لقد رأيته المرة الماضية عندما مررنا بسوق الثياب هل نسيتي ؟ حتى أنه قام بإعطائك تفاحة حمراء ؟”
“أوه ذلك العم المتسول صحيح؟”
” عيب يا ابنتي من أين تعلمت هذا الكلام لقد كان أغنى من عائلتنا فيما مضى …الظروف دفعته لذلك …وهو يعمل ببيع التفاح لذا هو ليس متسولاً لا اريد سماعك تقولين هذا مرة أخرى !”
“وماذا عن الخامس ؟”
“العم أبو سالم توفي منذ سنوات كنت مخطوبة لوالدك عندما حدث ذلك “
“إذاً لماذا لازلت تأتين لهنا أمي ؟ إن كان أحداً منهم لن يأتي هنا مجدداً ؟”
“أنا آتي من أجل المرحومة وليس من أجل رؤيتهم ” ثم وقعت عيناها على رجل يقارب الأربيعينات من عمره يدور حولهما وهو يحاول قرائة شواهد القبور .
“عفواً أخي هل تبحث عن قبر أحدهم ؟”
“أجل قبر أمي …كنت مسجوناً لسنوات طويلة وعندما خرجت وبعد بحث طويل أخبروني أنها قد تكون مدفونة هنا “
“ما اسمها لعلي أعرف القبر فأنا آتي لهذه المقبرة كل سنة وأتذكر بعض الأسماء للقبور هنا “
“اسمها خديجة لكنني أعتقد أنها دُعيت بأم عبير قبل وفاتها “
انهمرت الدموع من خدي سوزان فيبدو أنه ابنها المفقود الذي لم يتمكن من حضور جنازتها .
“هذه هو أخي هذا قبر أم عبير …نحن من دفنها هنا وقد قضت آخر ساعاتها معنا هل ترغب بالحديث عنها أكثر …لحظة …هاهو رقم زوجي على هذا الكرت ما أن تنتهي من زيارتك لها هنا تستطيع الاتصال بزوجي وسنستقبلك أخاً عزيزاً للتحدث عنها …أما الآن فلتعذرني فزوجي ينتظرني بالسيارة وعلي المغادرة “
غادرت سوزان مع ابنتها تاركةً الابن المفقود يبكي بحرقة عند قبر والدته التي لم يتمكن من قول الوداع لها .
…النهاية…
ثرثرة الكاتبة :
لقد كان هذا أول عمل روائي لي في حياتي الروائية لقد استمتعت بكتابته حتى النهاية فقد كان هذا المشروع في ذهني منذ عدة أعوام ولكنني لم أمتلك الجرأة لتحويله على الورق (في حالتنا هذه رفعه على الموقع) لكنني سعيدة لإنني فعلت.
الرواية تتضمن قصص واقعية حياتية سمعتها بنفسي من أناس تعرضوا لها لكنني أرتأيت عدم تحديد المكان والزمان في الرواية وذلك لإنني قد أضفت الكثير من خيالي ككاتبة للقصص لتبدو جاذبة أكثر لكن هذا لايغير حقيقة واقعية الأحداث التي تمر بنا كل يوم.
أشكر جميع المتبعين وقراء الرواية وأرجو مغفرة أي أخطاء لغوية أو إملائية وردت في الرواية .
دمتم بخير وإلى أن ألقاكم بعمل آخر جديد .